فصل: الفصل الرابع من الكتاب: الإسلام.. والعالم الإسلامي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قراءة في فكر علماء الإستراتيجية (نسخة منقحة)



.الفصل الرابع من الكتاب: الإسلام.. والعالم الإسلامي:

وفى الفصل الرابع يتحدث الكاتب عن الإسلام.. والعالم الإسلامي:

.1- هناك صراع بين الشمال ضد الوسط (لا الشمال ضد الجنوب):

وهو صراع عقدي بين أيديولوجية الغرب وأيديولوجية الإسلام.
ولا شك أن الإسلام اليوم يمثل عنصرا غير متكيف تماماًMisfit مع حضارة العصر، التي هي أساسا حضارة الغرب. وهى مشكلة المسلمين لا الإسلام طبعا، ولكنها دائما يتم إسقاطها عليه (القاعدة هي مرادفة الإسلام بالمسلمين وإسقاط المسلمين على الإسلام لا العكس، وهذا هو الخطاء الجذري والعمدي الذي يلجأ إليه كل نقاد الإسلام من حيث هو إسلام.
وإذا كان الإسلام اليوم ضعيفا مغلوباً على أمره، والسيادة والسيطرة لأوربا والغرب المسيحي خارج كل حدود، فإن هذا الوضع ليس قديماً أو أصيلاً، بل حديث طارئ منذ العصور الحديثة، تماما كما هي قصة التوازن وصراع القوة أوربا وآسيا.
فقديما في العصور الوسطى وما قبلها كانت أوربا تقع تحت مطرقة آسيا والآسيويين، وغاراتهم واحتلالهم قروناً، وكانت الغلبة دائما للرعاة الآسيويين... إلخ، ثم انقلب الميزان رأساً على عقب، منذ البارود في العصور الحديثة، وأصبح العالم الآسيوي مستعمرة لأوربا تقريبا، نفس الشيء بالنسبة للعالم الإسلامي- مع ملاحظة التداخل الجزئي جغرافيا بين العالم الإسلامي والعالم الأوراسي- ففي العصور الوسطى كان العالم الإسلامي سيد أوربا وغازيها. بعد العصور الحديثة انقلب الميزان المهم في هذه النقطة هو ذلك التشابه التاريخي في تطور علاقة القوة بين كل من العالم الإسلامي والعالم الآسيوي، وبين أوربا المسيحية والغرب الأوربي.
الأقليات الإسلامية خارج العالم الإسلامي، تقابلها الأقليات غير المسلمة داخلة جزر في هذا المحيط، مقابل واحات في تلك الصحراء، وكلتاهما تمثل منطقة انتقال دينية بين كتلة الإسلام وغير الإسلام، أي مساحة من الوصل- بقدر ما هي من الفصل- بين عالمين أو قل مساحة رمادية بين الأبيض والأسود، فهي تقرب بين النقطتين وتخفف من التناقض والتضاد بينهما، ولذا فهي مفيدة كعامل ربط نسبيا، أي ليست شرا مطلقا أو شرا لابد منه، أو شيء لا خير فيه، وإنما هي شيء لابد منه.
لذا فإن الصراع الحقيقي انتقل اليوم إلى معادلة جديدة: معادلة صراع الشمال ضد الوسط لا الشمال ضد الجنوب.

.2- بعض الغرب ينظر إلى الإسلام على أنه الخطر الجديد والعدو الجديد بعد سقوط الشيوعية والسوفييت... إلخ:

هذا علنا وحرفيا.
والمقصود أن الصراع الأيديولوجي السابق حل محله صراع أيديولوجي جديد.
فالإسلام كعقيدة هو أيديولوجية مضادة لأيديولوجية الغرب، وللغرب، وحضارة الغرب. الإسلام اليوم يعيش الحضارة الحديثة المعاصرة- أي الغربية أو الأوربية- ولكنه لا يعيش نمط الحياة الغربية Genre de vie هو يقبل الحضارة الغربية، لا المجتمع الغربي. هو مندمج حضاريا، مختلف مجتمعيا، من هنا الخلاف والاختلاف غير قابل للذوبان في الحضارة الحديثة، يعيش خارج الحضارة الحديثة، لا يمكن هضمه كما لا يمكن هضمهم. هذا يعتبره بعض الغربيين تحديا، التحدي الإسلامي المزعوم، والذي يهدد حضارة الغرب، وربما حياة الغرب ولكن هذا وهم- أوهام العوام والخواص والخواجة- أوهام الخواجة.
فعلاً- انتشار الإسلام وتمدده ملحمة جغرافية فريدة لا مثيل لها قط بين الأديان، هذا التوسع القاري القرني خرافة تاريخية تقريبا، ولكنه حدث.
وحدود العالم الإسلامي اليوم تمتد من المحيط إلى المحيط- الأطلسي- الهادي- ومن البحر إلى البحر- البحر الأسود إلى بحر العرب- ومن البحر إلى المحيط- المتوسط- الهندي. ومن البحيرة إلى البحيرة- بيكال- فيكتوريا الإسلام دخل أوربا من الغرب ومن الشرق، الأندلس والبلقان، كانت القاعدة في الأولى الشام الأموي، وفي الثانية الأناضول العثماني.
هاتان البيئتان البحريتان التي توسع منهما الإسلام شمالاً.
وهناك بيئتان بحريتان أخريان في الجنوب، توسع منهما الإسلام بحراً- عمان إلى إفريقيا، واليمن إلى الهند الشرقية. وما بين الاثنين بيئة قارية برية هي التي توسع منها عرب الجزيرة الداخلية ليغطى قلب القارات في آسيا وإفريقيا. لاحظ دور الشام التوسعي كبيئة بحرية: قديما إلى قرطاجنة- تونس. ثم إلى المغرب فالأندلس.
لقد قفز عرب الإسلام رؤوس ولا نقول جثث البيئات المستقرين وتجاوزهم إلى أبعد آفاق الإسلام على رؤوس المصريين إلى المغرب غرباً، وإلى السودان جنوباً.
فالذي نقل الإسلام وأدخله إلى المغرب وإلى السودان، ليس المصريين ولكن عرب الجزيرة عبر مصر، وهكذا فعلوا شرقاً على رؤوس العراق.
من اللافت بشدة أن أهم خصائص أو صفات الإسلام هي نفسها أهم خصائص وصفات أرض الإسلام، أي العالم الإسلامي، وهى التوسط والاعتدال في الحالين فالعالم الإسلامي متوسط الموقع تماما في العالم القديم، وبيئته الطبيعية أقرب إلى الاعتدال بحكم هذا المتوسط- موقع متوسط، وموضع معتدل، أما الإسلام فيقال لنا دائما: إنه دين التوسط والاعتدال، لا إفراط ولا تفريط، لا تطرف ولا تعنف.
فعلاً أوربا والعالم العربي + الشرق الأوسط- هما وحدهما شركاء التاريخ البشرى الفعال. هما فرسا رهان التاريخ والحضارة، والسياحة والإستراتيجية، والدين والصراع والسلم والحرب. وإذا كان هناك تنافس وصراع، فهذا إنما يؤكد الندية، وأنهما فرسا رهان، وإذا كانت أوربا تنكر هذا ولا تراه، فهذا عمى ألوان.
من هنا يجب ألا ننفصل عن أوربا، باعتبارنا وحدنا الأعرق والأقوم والأكثر أصالة وقرابة وقربا في عالم إما قديم، ولكنه معزول تماما كالمجهول، أو غير الموجود- الشرق الأقصى- وإما جديد محدث طارئ- أمريكا. وكما يتقارب الأوربيون أنفسهم داخل أوربا بعد صراعات ألفية رهيبة، وذكريات مريرة، فإن الدور ينبغي أن يأتي على أوربا مع العرب والمشرقيين- الشرق الأوسط.
لمصلحة الطرفين ذلك على الأقل لإحداث التوازن ضد القادمين الجدد الذين يهددون كلا الطرفين، وخاصة الطغيان والهيمنة الأمريكية المجنونة.

.3- اضطهاد المسلمين ومذابحهم في القرن العشرين:

رغم أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، إلا أنه لم يعد له مكان بالكاد في هذا الزمان.
اضطهاد المسلمين- ومذابحهم المعاصرة في ختام القرن 20، وعلى أبواب القرن21 الميلادي- لا قبل الميلاد- ظاهرة مؤسفة، محزنة مخجلة طبعا، ومرفوضة تماما: ولكنها للأسف طبيعية- فالتعصب الديني والصراع الطائفي جزء من صراع الشعوب والأمم والدول والقوى والمجتمعات والجماعات، صراع البقاء المؤبد، ولماذا نندهش له ونستغربه، على بشاعته ورفضنا له، ومثله أو عكسه موجود بيننا داخل العالم الإسلامي، وقبله ألم يكن الكفار يضطهدون المسلمين في عصر النبي؟ دار الإسلام وقد تحولت- للأسف- إلى دار حرب في العقود الأخيرة، أصبح العالم الإسلامي ساحة لحروب عديدة لا تنقطع.
1- إما داخلية بين دول إسلامية.
2- وإما حرب أهلية داخل الدولة الإسلامية الواحدة.
3- وإما كحروب أقليات تتعرض لها الأقليات الإسلامية على تخوم العالم الإسلامي أو خارجه.
وهذه الحروب تؤلف نطاقا كاملاً يطوق العالم الإسلامي، ويكاد يلفه لفاً من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب:
أ- الحروب بين الدول الإسلامية:
ليبيا / تشاد - العراق / إيران.
العراق / الكويت + السعودية والخليج ومصر وسوريا.
الجزائر / المغرب (الصحراء الغربية).
ب- الحروب الأهلية الداخلية:
أفغانستان – نيجيريا – لبنان – قبرص - الفلبين (المورو) - سري لانكا (التأميل المسلمين) - الصومال.
جـ- حروب الأقليات الإسلامية:
بورما (أراكان)- إريتريا.
د- حروب الدول غير الإسلامية ضد الإسلامية:
الهند / الباكستان - الصرب / البوسنة والهرسك وكوسوفا.
إسرائيل / فلسطين - مصر- الأردن- سوريا- لبنان.
المفارقة المفجعة حقاً أن الإسلام الذي يصلح لكل زمان ومكان، لم يعد له مكاناً بالكاد في هذا الزمان! فخارج العالم الإسلامي، الإسلام والمسلمون مطاردون مضطهدون شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، في آسيا البوذية، وأوربا المسيحية، في إفريقيا السوداء، من سائر الأديان كما من الأديان أو الأديان الأرضية.
غريب جدا: وفي آسيا، الديانات غير السماوية تضطهد الإسلام والمسلمين في كل مكان الهند الهندوكية، بورما البوذية، الصين... إلخ.
ولكن في كل الحالات، فإنهم لا يضطهدون بعضهم البعض، ليس بينهم مشاكل طائفية فلا الهندوس يضطهدون، أو العكس، ولا الشنتو يضطهدون الهندوس أو.. إلخ!.
لا يريد العرب والمسلمون أن يدركوا أن هناك ثنائية أبدية في الصراع الأبدي الديني في هذا العالم، إنها ثنائية الثنائية: صراع- ديني أبدى بين طرفين كل منهما ذو طرفين: الإسلام + العرب ضد المسيحية + اليهود.
لا يريد العرب والمسلمون أن يفهموا أن الغرب والأوربيين ينظرون إلى اليهود كجزء منهم سواء جنسياً أو دينياً ( + حضاريا أيضا)، إلا أنه جزء صغير مشاغب، كالابن الضال Prodigal son الذي سيعود في النهاية إلى العائلة، مهما فعل فهو مغفور له، والعائلة معه إلى النهاية. جنسياً، اليهود أوربيون (كذلك حضارياً) دينياً هم طائفة ناشز من المسيحية وخوارج أو متخلفون عن الديانة الأم أو الحق... إلخ.